من فضائل سورة البقرة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من فضائل سورة البقرة
من فضائل سورة البقرة
فضيلة الشيخ / مصطفى البصراتي
1- قارئها أمير على غيره:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثًا وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنًا، فقال: «ما معك يا فلان ؟» قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: «أمعك سورة البقرة؟» قال: نعم. قال: «فاذهب فأنت أميرهم»، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول اللَّه ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعلموا القرآن فاقرأوه وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكًا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جرابٍ وكئ على مسك) [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه]
إعلاء لمكانة حافظ القرآن وخاصة سورة البقرة فقد جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أميرًا على قومه وهو أصغرهم سنًا، وذلك حينما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل جيشًا فطلب من كل واحد منهم أن يقرأ ما يحفظه من القرآن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من أصغرهم سنًا: (ما معك يا فلان ؟) قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أمعك سورة البقرة ؟) قال: نعم. قال: (فاذهب فأنت أميرهم)، وهذا تشريع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أن نقتدي به.
2- وهي سنام القرآن وطاردة للشيطان:
عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن لكل شيء سنامًا، وسنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) [أخرجه الحاكم في كتاب فضائل القرآن وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي فقال: صحيح، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان باب في تعظيم القرآن، والحديث ذكره الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (588) وقال: أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو عندي حسن]
قال العلامة المباركفوري في «تحفة الأحوذي» 8/146: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل شيء سنام) بفتح السين أي رفعة وعلو استعير من سنام الجمل ثم كثر استعماله فيها حتى صار مثلاً، ومنه سميت سورة البقرة سَنام القرآن قاله الطيبي. وقال ابن الأثير في النهاية: سَنَام كل شيء أعلاه.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وإن سنام القرآن سورة البقرة) إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة أو لما فيها من الأمر بالجهاد وبه الرفعة الكبيرة.
وفي رواية: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر). قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: قوله: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي خالية من الذكر والدعاء فتكون كالمقابر وتكونون كالموتى فيها، أو معناه لا تدفنوا موتاكم فيها، ويدل على المعنى الأول قوله: (وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان)، هذه رواية الترمذي، أمَّا رواية مسلم الأولى ففيها: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة).
وفي حديث سهل بن سعد عند ابن حبان: (من قرأها –يعني: سورة البقرة- ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهارًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام)، وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء اللَّه تعالى والأحكام فيها.
وقد قيل: فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر. كذا في المرقاة.
وفي هذا الحديث ترغيب في تلاوة القرآن في البيوت وخصوصًا سورة البقرة.
وقد رويت كلمة «ينفر» و«يفر» في الروايتين السابقتين وكلاهما صحيح.
3- نادى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بها:
عن كثير بن عباس عن أبيه قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين ورسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- على بغلته التي أهداها له الجذامي «فروة بن عمرو بن النافرة» فلما ولى المسلمون قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عباس ناد قل: يا أصحاب السَّمرة -هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان- يا أصحاب سورة البقرة-، وكنت رجلاً صيتًا -شديد الصوت عاليه- فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفةً كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على ابن الحارث بن الخزرج قال: وتطاول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته فقال: (هذا حين حمى الوطيس) «كناية عن شدة الأمر واضطرام الحرب» وهو يقول: (قدمًا يا عباس)، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن ثم قال: (انهزموا ورب الكعبة)). [رواه الإمام أحمد واللفظ له ومسلم والبيهقي].
قال العلماء: ركوبه -صلى الله عليه وسلم- البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه يكون معتمدًا يرجع إليه المسلمون وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا، وإلا فقد كان له -صلى الله عليه وسلم- أفراس معروفة، وقد أخبر الصحابة -رضي الله عنه-م بشجاعته -صلى الله عليه وسلم- في جميع المواطن.
وكونه -صلى الله عليه وسلم- يأمر العباس أن ينادي على من فر يوم حنين ويذكر من حفظ منهم سورة البقرة بأنه لا ينبغي لمن حفظ منهم هذه السورة أن يفر ويترك ساحة القتال لعظم هذه السورة وما اشتملت عليه من الإيمان واليقين بالله والأمر بقتال أعداء اللَّه في قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله [البقرة: 193]. فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر العباس أن ينادي بها فهذا دليل على عظمة هذه السورة.
وفي هذا المعنى من المراسيل: عن طلحة بن مصرف اليامي قال: لما انهزم المسلمون يوم حنين نودوا: يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا ولهم خنين -يعني بكاء-. مرسل رجاله ثقات.
وفي هذا المعنى من الموقوفات: «عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان شعار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مسيلمة: يا أصحاب سورة البقرة». [أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وإسناده صحيح].
4- تنزل الملائكة لقراءتها:
عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه في السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: فأشفقت يا رسول اللَّه أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: (وتدري ما ذاك). قال: لا. قال: (تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم). [أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن حبان والحاكم].
وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شمَّاس -رضي الله عنه-، وذلك فيما رواه أبو عبيد عن جرير بن يزيد - أن أشياخ أهل المدينة حدَّثوه (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح. قال: (فلعله قرأ سورة البقرة). قال: فسُئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة). قال ابن كثير: وهذا إسنادٌ جيدٌ إلا أن فيه إبهامًا، ثم هو مرسل، والله أعلم.
لكلام اللَّه تعالى فضيلة، ولتلاوته سكينة وطمأنينة ورهبة ولتدبره خشوع وخضوع ولذة، لقد قال كافرهم حين سمعه: والله إن له لحلاوة إن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وكل كلام يعاد ويتكرر يمل ويضعف إلا القرآن لا يَخْلَق على كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، يزيده حلاوة وطراوة صوت حسن، وتلاوة دقيقة رقيقة، وإذا كان هذا أثره في البشر فما بالنا بأثره في ملائكة اللَّه ؟
لقد كان أسيد بن حضير الصحابي الجليل ذو الصوت الحسن الرقيق يقرأ سورة البقرة في منزله في جوف الليل وقد ربط فرسه في مربطه بحبل مزدوج، لأنه فرس جموح ونام ابنه يحيى على الأرض قريبًا من الفرس، وجلس أسيد أو قام يصلي في مكان قريب من ابنه، في حائط صغير يتخذ مخزنًا للتمر يجفف فيه ويحفظ، وما كان لهم بيوت بحجرات ولا فرش وأسرة، وفي هدوء الليل وروعته تجلجل صوت أسيد بن حضير بالقرآن الكريم وسورة البقرة، وسمعت ملائكة اللَّه الصوت الرقيق يقرأ سورة البقرة، فتنزلت له من قرب، حتى دنت من الفرس، ورآها الفرس كأن سحابة تهبط عليه فنفر وأخذ يضرب الأرض بقوائمه ويشيح ذات اليمين وذات الشمال بعنقه ورأسه ويحاول الجري والفرار خوفًا ورعبًا، سكت أسيد عن القراءة فهدأ الفرس، وسكن كأن السحابة تلاشت حين سكت، فقرأ فنفر الفرس، وسكت فسكن الفرس فقرأ فهاجت، عجبًا يرى ظلة فيها مصابيح تدنو وتقرب والفرس يُحس بها ويراها وينفر، والولد قريب من الفرس، يخشى عليه أن تطأه بحوافرها أثناء جموحها، لقد دفعته عاطفة الأبوة أن يرفع ولده ويبعده عن الفرس ثم يعود للقراءة، لكنه - واأسفاه - ما إن قام نحو ابنه حتى رأى الظلة تعرج وتمضي نحو السماء حتى اختفت عن ناظريه، فأصبح يحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأمر العجيب، فقال له -صلى الله عليه وسلم- «ليتك مضيت في القراءة حتى الصباح، إنها السكينة والملائكة جاءت تستمع لقراءتك، ولو بقيت حتى الصباح تقرأ لبقيت مشغولة بالسماع لا تتستر حتى يراها الناس».
5- تعظيم الصحابة لها:
عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما. [أخرجه الإمام مالك في كتاب الصلاة والطحاوي في شرح معاني الآثار وإسناده صحيح]
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ أبا بكر قرأ في صلاة الصبح بالبقرة فقال له عمر حين فرغ: كادت الشمس أن تطلع، قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وعبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى، وذكره ابن حجر في فتح الباري وقال: رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح]
عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال ابن المنير: خص عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- سورة البقرة بالذكر، لأنها التي ذكر فيها الرمي فأشار بذلك إلى أن فعله -صلى الله عليه وسلم- مبين لمراد اللَّه تعالى.
قال ابن حجر: ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة، والظاهر أنه أراد أن يقول: إن كثيرًا من أفعال الحج مذكورة فيها منبهًا بذلك على أن أفعال الحج توقيفية وقيل: خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام، أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة، وفي هذا الحديث بيان لما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من مراعاة حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل حركة وهيئة، ولا سيما في أعمال الحج.
هذا رابط للتحميل :http://audio.islamweb.net/audio/download_.php?audioid=10949
فضيلة الشيخ / مصطفى البصراتي
1- قارئها أمير على غيره:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثًا وهم ذوو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنًا، فقال: «ما معك يا فلان ؟» قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، قال: «أمعك سورة البقرة؟» قال: نعم. قال: «فاذهب فأنت أميرهم»، فقال رجل من أشرافهم: والله يا رسول اللَّه ما منعني أن أتعلم سورة البقرة إلا خشية ألا أقوم بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تعلموا القرآن فاقرأوه وأقرئوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكًا يفوح بريحه كل مكان، ومثل من تعلمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جرابٍ وكئ على مسك) [أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه]
إعلاء لمكانة حافظ القرآن وخاصة سورة البقرة فقد جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- أميرًا على قومه وهو أصغرهم سنًا، وذلك حينما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرسل جيشًا فطلب من كل واحد منهم أن يقرأ ما يحفظه من القرآن، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل من أصغرهم سنًا: (ما معك يا فلان ؟) قال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أمعك سورة البقرة ؟) قال: نعم. قال: (فاذهب فأنت أميرهم)، وهذا تشريع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلينا أن نقتدي به.
2- وهي سنام القرآن وطاردة للشيطان:
عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن لكل شيء سنامًا، وسنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة) [أخرجه الحاكم في كتاب فضائل القرآن وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي فقال: صحيح، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان باب في تعظيم القرآن، والحديث ذكره الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (588) وقال: أخرجه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وهو عندي حسن]
قال العلامة المباركفوري في «تحفة الأحوذي» 8/146: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل شيء سنام) بفتح السين أي رفعة وعلو استعير من سنام الجمل ثم كثر استعماله فيها حتى صار مثلاً، ومنه سميت سورة البقرة سَنام القرآن قاله الطيبي. وقال ابن الأثير في النهاية: سَنَام كل شيء أعلاه.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (وإن سنام القرآن سورة البقرة) إما لطولها واحتوائها على أحكام كثيرة أو لما فيها من الأمر بالجهاد وبه الرفعة الكبيرة.
وفي رواية: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر). قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: قوله: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر) أي خالية من الذكر والدعاء فتكون كالمقابر وتكونون كالموتى فيها، أو معناه لا تدفنوا موتاكم فيها، ويدل على المعنى الأول قوله: (وإن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان)، هذه رواية الترمذي، أمَّا رواية مسلم الأولى ففيها: (إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة).
وفي حديث سهل بن سعد عند ابن حبان: (من قرأها –يعني: سورة البقرة- ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهارًا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام)، وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء اللَّه تعالى والأحكام فيها.
وقد قيل: فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر. كذا في المرقاة.
وفي هذا الحديث ترغيب في تلاوة القرآن في البيوت وخصوصًا سورة البقرة.
وقد رويت كلمة «ينفر» و«يفر» في الروايتين السابقتين وكلاهما صحيح.
3- نادى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بها:
عن كثير بن عباس عن أبيه قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين ورسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- على بغلته التي أهداها له الجذامي «فروة بن عمرو بن النافرة» فلما ولى المسلمون قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا عباس ناد قل: يا أصحاب السَّمرة -هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان- يا أصحاب سورة البقرة-، وكنت رجلاً صيتًا -شديد الصوت عاليه- فقلت: يا أصحاب السمرة، يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا عطفةً كعطفة البقرة على أولادها، وارتفعت الأصوات وهم يقولون: معشر الأنصار، معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على ابن الحارث بن الخزرج قال: وتطاول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته فقال: (هذا حين حمى الوطيس) «كناية عن شدة الأمر واضطرام الحرب» وهو يقول: (قدمًا يا عباس)، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن ثم قال: (انهزموا ورب الكعبة)). [رواه الإمام أحمد واللفظ له ومسلم والبيهقي].
قال العلماء: ركوبه -صلى الله عليه وسلم- البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات، ولأنه يكون معتمدًا يرجع إليه المسلمون وتطمئن قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا، وإلا فقد كان له -صلى الله عليه وسلم- أفراس معروفة، وقد أخبر الصحابة -رضي الله عنه-م بشجاعته -صلى الله عليه وسلم- في جميع المواطن.
وكونه -صلى الله عليه وسلم- يأمر العباس أن ينادي على من فر يوم حنين ويذكر من حفظ منهم سورة البقرة بأنه لا ينبغي لمن حفظ منهم هذه السورة أن يفر ويترك ساحة القتال لعظم هذه السورة وما اشتملت عليه من الإيمان واليقين بالله والأمر بقتال أعداء اللَّه في قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله [البقرة: 193]. فكون النبي -صلى الله عليه وسلم- يأمر العباس أن ينادي بها فهذا دليل على عظمة هذه السورة.
وفي هذا المعنى من المراسيل: عن طلحة بن مصرف اليامي قال: لما انهزم المسلمون يوم حنين نودوا: يا أصحاب سورة البقرة، فرجعوا ولهم خنين -يعني بكاء-. مرسل رجاله ثقات.
وفي هذا المعنى من الموقوفات: «عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان شعار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مسيلمة: يا أصحاب سورة البقرة». [أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وإسناده صحيح].
4- تنزل الملائكة لقراءتها:
عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوط عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه في السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: فأشفقت يا رسول اللَّه أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: (وتدري ما ذاك). قال: لا. قال: (تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم). [أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وابن حبان والحاكم].
وقد وقع نحو من هذا لثابت بن قيس بن شمَّاس -رضي الله عنه-، وذلك فيما رواه أبو عبيد عن جرير بن يزيد - أن أشياخ أهل المدينة حدَّثوه (أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح. قال: (فلعله قرأ سورة البقرة). قال: فسُئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة). قال ابن كثير: وهذا إسنادٌ جيدٌ إلا أن فيه إبهامًا، ثم هو مرسل، والله أعلم.
لكلام اللَّه تعالى فضيلة، ولتلاوته سكينة وطمأنينة ورهبة ولتدبره خشوع وخضوع ولذة، لقد قال كافرهم حين سمعه: والله إن له لحلاوة إن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وكل كلام يعاد ويتكرر يمل ويضعف إلا القرآن لا يَخْلَق على كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، يزيده حلاوة وطراوة صوت حسن، وتلاوة دقيقة رقيقة، وإذا كان هذا أثره في البشر فما بالنا بأثره في ملائكة اللَّه ؟
لقد كان أسيد بن حضير الصحابي الجليل ذو الصوت الحسن الرقيق يقرأ سورة البقرة في منزله في جوف الليل وقد ربط فرسه في مربطه بحبل مزدوج، لأنه فرس جموح ونام ابنه يحيى على الأرض قريبًا من الفرس، وجلس أسيد أو قام يصلي في مكان قريب من ابنه، في حائط صغير يتخذ مخزنًا للتمر يجفف فيه ويحفظ، وما كان لهم بيوت بحجرات ولا فرش وأسرة، وفي هدوء الليل وروعته تجلجل صوت أسيد بن حضير بالقرآن الكريم وسورة البقرة، وسمعت ملائكة اللَّه الصوت الرقيق يقرأ سورة البقرة، فتنزلت له من قرب، حتى دنت من الفرس، ورآها الفرس كأن سحابة تهبط عليه فنفر وأخذ يضرب الأرض بقوائمه ويشيح ذات اليمين وذات الشمال بعنقه ورأسه ويحاول الجري والفرار خوفًا ورعبًا، سكت أسيد عن القراءة فهدأ الفرس، وسكن كأن السحابة تلاشت حين سكت، فقرأ فنفر الفرس، وسكت فسكن الفرس فقرأ فهاجت، عجبًا يرى ظلة فيها مصابيح تدنو وتقرب والفرس يُحس بها ويراها وينفر، والولد قريب من الفرس، يخشى عليه أن تطأه بحوافرها أثناء جموحها، لقد دفعته عاطفة الأبوة أن يرفع ولده ويبعده عن الفرس ثم يعود للقراءة، لكنه - واأسفاه - ما إن قام نحو ابنه حتى رأى الظلة تعرج وتمضي نحو السماء حتى اختفت عن ناظريه، فأصبح يحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الأمر العجيب، فقال له -صلى الله عليه وسلم- «ليتك مضيت في القراءة حتى الصباح، إنها السكينة والملائكة جاءت تستمع لقراءتك، ولو بقيت حتى الصباح تقرأ لبقيت مشغولة بالسماع لا تتستر حتى يراها الناس».
5- تعظيم الصحابة لها:
عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- صلى الصبح فقرأ فيها سورة البقرة في الركعتين كلتيهما. [أخرجه الإمام مالك في كتاب الصلاة والطحاوي في شرح معاني الآثار وإسناده صحيح]
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ أبا بكر قرأ في صلاة الصبح بالبقرة فقال له عمر حين فرغ: كادت الشمس أن تطلع، قال: لو طلعت لم تجدنا غافلين. [أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وعبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى، وذكره ابن حجر في فتح الباري وقال: رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح]
عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ورمى بسبع وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
قال ابن المنير: خص عبد اللَّه بن مسعود -رضي الله عنه- سورة البقرة بالذكر، لأنها التي ذكر فيها الرمي فأشار بذلك إلى أن فعله -صلى الله عليه وسلم- مبين لمراد اللَّه تعالى.
قال ابن حجر: ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة، والظاهر أنه أراد أن يقول: إن كثيرًا من أفعال الحج مذكورة فيها منبهًا بذلك على أن أفعال الحج توقيفية وقيل: خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام، أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة، وفي هذا الحديث بيان لما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من مراعاة حال النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل حركة وهيئة، ولا سيما في أعمال الحج.
هذا رابط للتحميل :http://audio.islamweb.net/audio/download_.php?audioid=10949
AyouB-3/1- المساهمات : 37
تاريخ التسجيل : 09/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى